المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
[ونبينا صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوتي فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه، فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية عَلَى أتم الوجوه، ولكن كلما ابتدع شخص بدعة اتسعوا في جوابها، فلذلك صار كلام المتأخرين كثيرا قليل البركة، بخلاف كلام المتقدمين، فإنه قليل، كثير البركة " لا " كما يقول ضلال المتكلمين وجهلتهم: إن طريقة القوم أسلم، وإن طريقتنا أحكم وأعلم وكما يقول من لم يقدّرهم قدرهم من المنتسبين إِلَى الفقه: أنهم لم يتفرغوا لاستنباطه، وضبط قواعده، وأحكامه، اشتغالاً منهم بغيره! والمتأخرون تفرغوا لذلك فهم أفقه!! فكل هَؤُلاءِ محجوبون عن معرفة مقادير السلف، وعمق علومهم، وقلة تكلفهم، وكمال بصائرهم، وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكلف والاشتغال بالأطراف، التي كانت همة القوم مراعاة أصولها، وضبط قواعدها، وشد معاقدها، وهممهم مشمرة إِلَى المطالب العالية في كل شيء، فالمتأخرون في شأن، والقوم في شأن آخر وقد جعل الله لكل شيء قدرا]
الشرح:
رحم الله المصنف! فقد أتى بكلام عظيم حتى نعرف قدر النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدر السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، والأئمة الذين كَانَ كلامهم درراً وإمامهم هو مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله ورسوله الذي بعث بهذه الشريعة العظيمة، وأوتي جوامع الكلم كما في الحديث الصحيح: {أعطيت جوامع الكلم} فكلام النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالضد والنقيض لكلام هَؤُلاءِ الفلاسفة والمناطقة، الذين يتكلمون بالكلام الطويل المعقد من أجل قضية مدنية، بينما رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بجوامع الكلام يقول قولاً واحداً، أو جملة واحدة، فتكون منهاجاً ودستوراً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وبآلافٍ من آحاد القضايا والوقائع العينية، والأمثلة عَلَى ذلك كثيرة من أحاديث النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمثلاً يقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كل بدعة ضلالة} فما أوجز هذه العبارة، ويدخل فيها كل ما يمكن أن يحدث في الدين، فكل بدعة أياً كانت ضلالة، وهذه العبارة قاعدة تشمل آلاف الوقائع، ومثل ذلك في الفقه قوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا ضرر ولا ضرار} وهذه العبارة البسيطة لو تأملها الإِنسَان لعجب، فأنت تحتاجها عندما تحكم بين اثنين، أو تصلح في أي قضية، أو تحكم في أي مسألة، وهكذا، ومثل ذلك في التعبد قوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الدين النصيحة} فبهذه الكلمة نذكر كل ما أمر الله به ورسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفسر هذه الكلمة فقَالَ: {لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة الْمُسْلِمِينَ وعامتهم} وهكذا أمثلة كثيرة من أحاديث النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدل عَلَى أنه بعث بجوامع الكلم، عبارات وألفاظ وكلمات محدودة لكنها جامعة لمعانٍ عظيمة.
  1. كلام المتأخرين كثير قليل البركة